ياسين غلاب يكتب: هناك شيء أكبر من غزة!
إذا كان لك عدو تعلم علم اليقين، بل حق اليقين أنه في يوم ما سيأتي إليك وسيقتلك؛ فما الفرق أن يقتحم عليك الباب أو يتسلل إليك من الشباك أو يقابلك في الشارع؟. النهاية حتمية فهو إما أن تنتصر عليه أو يهزمك أو تصيبه أو يصيبك وربما تتوقف العداوة زمنا لكنها تظل عداوة ويبقي الاستعداد لما هو قادم مهمة الوقت وكل وقت. الاستعداد لا يأتي من فراغ، بل يجب أن يكون قائمًا على معلومات، فقد تأتي لك معلومة أن عدوك في المكان الفلاني أو العلاني؛ لكن كيف يكون الحال إذا جاءت معلومات عن تواجده في أكثر من مكان في وقت واحد أو متزامن أو على الأقل متتالِ. أي: معلومات كثيرة قد تغرقك في التفاصيل فلا تعرف من أين يأتي العدو!!!
الحرب على غزة مثال حي على ذلك. قد يكون الجميع سمع أو قرأ عن رغبة الكيان في التوسع وأنه الدولة المزعومة الوحيدة في العالم -تقريبا- التي ليس لها حدود حتى الآن، كما أنه ليس لها دستور. نشر قادة الكيان أنفسهم خرائط عديدة عن حدود دولتهم التي يريدونها والتي تمتد من العراق شرقا إلى سوريا شمالا وإلى السعودية جنوبا وإلى نهر النيل أو قناة السويس غربًا. فمثلاً قد يكون إعلان الحرب على غزة ثأرًا لكرامة الجيش الذي أهين؛ وقد يكون لتحرير الرهائن؛ وقد يكون لاستغلال الظرف وتهجير السكان قسريًا أو طوعيا وتصفية القضية الفلسطينية؛ وربما لإشعال حرب كبرى في المنطقة لها هدف أكبر من غزة!! تفاصيل كثيرة وكلها مطروحة ويمكن للعدو أن يبرر هجومه بأي منها.
أي سيناريو يمكن أن يرجح من تلك السيناريوهات السالفة الذكر؟ جميعها لها نفس الكفة؛ لكن من يستطيع أن يحدد أيًا منها هو العدو نفسه لأنه من بادر وأنت إذا قرأت عدوك بشكل صحيح وعرفت هدفه على وجه الدقة. لكن لماذا نقول إن هناك سيناريوهات متعددة وليس واحدًا فقط؟ أولاً لأن جميع هذه السيناريوهات قد تم الحديث عنها علنًا. ثانيًا سلوك الاحتلال العملي على الأرض إذ أنه حشد ألف دبابة ومئات المدافع والعربات المصفحة وعشرات الطائرات المقاتلة والمروحيات والمسيرات والأهم 360 ألف جندي من أجل قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 365 كيلو مترًا مربعًا فقط!!! أليس في ذلك ما يدعو إلى التفكير بعمق وفرز هذه السيناريوهات بل الاستعداد لجميعها؛ لأنه ببساطة لو افترضنا أن للعدو هدف أكبر من غزة؛ فمعنى ذلك أن جميع الأهداف الأخرى ستتحقق.
من نافلة القول أن نؤكد على أن إسرائيل قاعدة عسكرية للغرب لحماية مصالحه؛ وقد حدث أن تدخل الغرب في تأسيسها وفي الحرب على مصر في أعوام 1956 و1967 و1973 والآن أصبح له قواعد عسكرية في كل دول المنطقة تقريبا؛ سواءًا طواعية أو بالقوة ما عدا مصر!! السؤال هو لماذا جاء الغرب بثلاث حاملات طائرات (أمريكتين وبريطانية) وأخرى فرنسية (حاملة طائرات مروحية) وغواصة نووية وعشرات المدمرات والفرقاطات؛ وأعادت نشر بطاريات الدفاع الجوي باتريوت وثاد المخصصة للصواريخ الباليستية؟؛ علمًا بأن له قواعد ضخمة في تركيا وفي اليونان وفي إيطاليا وله قوات وقواعد في عموم أوروبا ولديه عشرات الطائرات المقاتلة أو المسيرة التي تقضي أيامًا في الجو من غير وقود؛ ويكفي القول أن للولايات المتحدة 800 قاعدة عسكرية على مستوى العالم والأهم أن لديها ولدى الكيان السلاح النووي!!.
قد يقول قائل إن هذه القوات من أجل حماية الكيان أو لمنع توسيع الحرب في المنطقة أو من أجل انشغال الولايات المتحدة في الحرب في أوكرانيا أو لتحجيم النفوذ الإيراني أو الروسي في المنطقة أو للاستعداد من أجل الحرب مع الصين. وكلنا يعرف أو سمع أو قرأ أن كل هذه السيناريوهات مطروحة. مرة أخرى؛ لا يستطيع أن يحدد الهدف إلا العدو أو أنت إذا قرأت هذا العدو بشكل صحيح. ومرة أخرى أيضًا؛ قد يكون أحد هذه الأهداف إذا تحقق كفيل بأن يحقق جميعها. ربما يكون هذا الهدف في ظني هو إعادة الاستعمار المباشر لهذه المنطقة!!! فهل هذا هو الشيء الذي هو أكبر من غزة؟!!