ياسين غلاب يكتب مصر بين مخاطر المنطقة واستقرارها..قراءة آنية
يزدحم المشهد الصحفي والإعلامي بركام تفاصيل من الأحداث والوقائع يعلو على حطام غزة. مصر في هذا المشهد كما أتصوره تبدو حقيقة لا شكلاً كعقاب يرقب ويرصد بحركة ردار دائرية على مدار 24 ساعة يوميا. حركة يدفعها شك من خبرات التاريخ ومآسي الحاضر ومخاوف المستقبل. لا تمل مصر من التحذير من الدعوة إلى الحفاظ على استقرار المنطقة وتبحث في تفاصيل الأحداث والوقائع عن حقيقة ما، فما هي؟
لنفتح أعيننا على خريطة العالم. السلوك العملي للقوى الكبرى أول حقيقة تجابهنا. كما تقول الأقمار الصناعية وكل وسائل الإعلام أن المقدرات العسكرية الأمريكية الأضخم تتواجد في المحيط الهاديء وفي المحيط الهندي لاحتواء الصين؛ بالتوازي مع الحرب الدائرة في أوكرانيا. كان هذا المشهد قبل 7 أكتوبر. تغير الوضع قليلاً الآن. عادت القوة الأمريكية ومن ورائها الغربية إلى التواجد العسكري المكثف في المنطقة مرة أخرى والأحداث الجارية يعرفها الجميع.
في الإقليم هناك الكيان..ضبع مجروح لكنه جائع دائمًا لالتهام المزيد من الأراضي؛ يتحرك وهو يقضم من هنا ومن هناك وفي ظهره الغرب الاستعماري يضبط حركته خوفًا عليه وعلى مصالحه لكنه لا يريد أو لا يستطيع أن يردعه، الأمران سيان والمصلحة واحدة. في قالها “ترامب” بوضوح: أرض إسرائيل ضيقة ويجب أن تتسع. تتسع على حساب من؟ غزة والضفة في الأصل والواقع أرض مسروقة ومحتلة كباقي فلسطين التاريخية.
في الإقليم أيضًا هناك إيران التي جرح كبرياؤها ونزف الدم من شرفها باغتيال “هنية” وآخرين. تجاهد طهران لكسب الوقت لإنجاز مشروعها “النووي” بعد “الصاروخي” وقد وضعت يدها على قرار 4 دولة عربية. في المواجهة معها أو هكذا يبدو: تركيا “عضو الناتو” التي تضع أصابعها هي الأخرى في سوريا والعراق وليبيا وتسعى إلى الصومال والسودان. إيران وتركيا كلاهما أيضًا لهما نفوذ من خلال الفصائل المنقسمة في فلسطين المحتلة.
ماذا عن العرب؟ حدث ولا حرج. انقسامات رأسية وأفقية؛ جلبت ثارات وعدوات؛ سالت فيها دماء من جروح أراها عصية على الالتئام في المستقبل القريب. في باطنها، تستعر نار الانقسام الأيدولوجي، طائفية مقيتة سنية وشيعية ضد بلدانها من ناحية، ومرتبطة بأطراف إقليمية ودولية من ناحية أخرى. راجع كل الصراعات العربية، وستجد أساسها الدين السياسي. لسنا في وارد الحديث عن باقي المعضلات الأخرى التي تمنع العرب من الوحدة.
وسط هذا كله تتعرض مصر لكل صنوف الضغوط تقريبا. لأول مرة في تاريخها أصبحت مصر محاصرة. في ليبيا رسمت خطا أحمر، لكن لا يعني انتهاء الخطر. لا عمق لها في السودان، ومشاكله تتحمل النصيب الأكبر منها القاهرة. البحر الأحمر يهدد قناة السويس والتواجد العسكري يتضخم. البحر المتوسط يعج بكل المخاطر العسكرية والاقتصادية. في غزة تعض القاهرة على الجرح وتقف سدًا منيعًا أمام محاولات التوطين في سيناء.
أهذا فقط؟ منذ أن كادت أن تسقط المحروسة في الربيع العربي؛ وهي تسابق الزمن في مراكمة القوة العسكرية. القوة القادرة على حماية الوطن، وليس الأمن القومي المصري بمفهومه الواسع. لا تريد القاهرة أن يتكرر سيناريو 67 مرة أخرى؛ فنشرت قواعد مجدها على كل حدودها. نعم مصر قوة يعمل لها الجميع ألف حساب؛ لكنها أقل من أن تفرض الاستقرار على المنطقة وإن كانت تمنعها من الانزلاق إلى ما هو أسوأ. لا تنس عزيزي القارئ في خضم التفاصيل سد النهضة والقرن الإفريقي وبالطبع ضغوط الاقتصاد الداخلية.
والاستقرار المنشود له شرطان: إما رضا أو بالقوة. يستلزم الرضا طاعة واتباعًا. فهل مصر لها الآن من النفوذ ما يجعل العرب أو قل معظمهم يطيعونها أو يتبعونها؟ وإذا كانت الأخرى؛ فهل تملك القاهرة من القوة ما يجعلها تفرض الاستقرار في المنطقة؟ لقد صار هناك جماعات تحارب أو تبدو أنها تحارب القوة الأعظم في العالم فهل تخضع لقوة إقليمية مهما كانت قوتها؟
تحاول مصر أن تتجاوز الخلافات والانقسامات. تجلس مع الجميع تنبه وتحذر وتهدئ؛ تحاول أن تجمع ولا تفرق؛ لكن على مسافة آمنة؛ خوفًا من “نشل” استقرارها وجرها إلى حرب لا تريدها فتقع الواقعة وتهبط الطامة الكبرى فلا تزول قريبا؛ فهل تمهلها الضواري التي لا تصبر على جوع ولا تكفيها الفرائس؟ ربما.