محلل سياسي: استشعار روسيا الخطر الداهم القادم من الغرب وضعها أمام خيارين أحلاهما مر

يرى المحلل السياسي والخبير الاقتصادي، فهد جبرين، أن ما يجري في أوكرانيا من أحداث، الآن، هو نتيجة للاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الصعود الروسي.
 ويأتي ذلك، بحسب جبرين، تنفيذا لنظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، زبيغنيو بريجنسكي، التي نشرها في كتابه عام 2004، والذي يدعو فيها إلى إبعاد أوكرانيا عن روسيا، وضمان أن تكون كييف دائما موالية لسياسة الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك يعني ضمها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأكد جبرين، أن الخطوة، التي اتخذتها موسكو بإطلاق العملية العسكرية لحماية المدنيين في لوهانسك ودونيتسك، ووقف عسكرة أوكرانيا، وتفكيك القومية الإجرامية، جاءت استباقا، وتحسبا من الخطة الأنغلو – ساكسونية، التي تهدف إلى جر روسيا إلى المعركة سياسيا وعسكريا، ومحاولة تدميرها اقتصاديا، عبر استخدام إدارة كييف كأداة لتنفيذ مبتغاها.

وقال جبرين، في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك”، “منذ ذلك التاريخ، الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة، بكل الوسائل المتاحة، بما فيها تدبير الانقلابات وفبركة الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والفاسدين في أوكرانيا؛ رغم أن هؤلاء الفاسدين لم يتمكنوا من ممارسة فسادهم، دون دعم وتغطية من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في كييف”

وأضاف، “بل وصل فيهم الحد إلى فبركة الثورات الملونة، ودعم الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات التوجهات النازية، وتسهيل مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية، وحصولهم على أكثر من 30 مقعدا في البرلمان الأوكراني؛ مما دشن مرحلة جديدة في تاريخ أوكرانيا الحديث”

وتطرق المحلل السياسي إلى المسار التاريخي إلى الأحداث في أوكرانيا حيث تصاعدت بشكل متسارع، لتنتهي بشكل مؤقت، بانفصال جزء من المقاطعات الشرقية، حيث تقيم الأغلبية السكانية الناطقة باللغة الروسية، وسيطرة القوميون اليمينيون وحلفائهم من النازيون الجدد، مع خليط من مؤيدي الرئيس الحالي المدعوم من دوائر الدولة العميقة في أمريكا.

وتابع جبرين، “رغم تناقض الأساس الفكري والأيديولوجي، وبالتالي السياسي لهذه المجموعات. إلا أنهم التقوا في نقطة واحدة، هي الخضوع إلى أوامر وتعليمات السفارة الأمريكية في كييف؛ وبالتالي تعاونهم معا لمحاربة النفوذ الروسي في أوكرانيا، وبسط النفوذ الغربي بشكل كامل”.

وأشار جبرين إلى أن التقارب الروسي – الصيني، والذي توج بتوقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية، لمدة 25 سنة، والمعاهدة الاستراتيجية مع الهند، وأخرى مع إيران، وتفعيل حلف “بريكس” مع عدد من الدول الأخرى، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، “أثارت حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية ”

وأردف قائلا، “كانت تعتبر، حتى تلك اللحظة، أن التهديد الأساسي يأتي من الجبهة الصينية فقط، وتوجت هذا الأحداث المزعزعة لقيادة أمريكا العالمية، بتنفيذ مشروع الغاز الروسي – الأوروبي نورد ستريم 2 [التيار الشمالي 2]، الذي اعتبرته أمريكا تهديدا مباشرا لنفوذها وسطوتها على دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا.

أصبحت المعادلة، القائمة على أساس القطب العالمي الواحد، غير صالحة؛ وبات الاعتراف بوجود عدة أقطاب مسألة وقت، ولا نقصد فقط القطب الصيني، بل أيضا القطب الروسي.

وإذا استقرت الأمور على ذلك، فهذا سيفتح شهية دول أوروبا الأخرى، مثل ألمانيا وفرنسا، لمزيد من الاستقلال عن القرار الأمريكي، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

ووفقا للمحلل السياسي، فإنه أمام هذه المعطيات والتطورات “دُق ناقوس الخطر في واشنطن، وتحركت على الفور دوائر القرار الأمريكي لمحاصرة الموقف، فهاجمت مشروع الغاز نورد ستريم 2، ولوحت بفرض عقوبات على من يتعاون مع روسيا في هذا المشروع، وفعلت خطة التحضير لثورة ملونة في بيلاروسيا، وفعلت من مطالبة أوكرانيا الانضمام للاتحاد الأوروبي والناتو، بهدف كبح جماح التغلغل الروسي في أوروبا، ومنعها من بسط سيطرتها من جديد على الساحة الأوكرانية”.

واستطرد قائلا، “بدأت بتحريض الشارع الأوكراني على روسيا، وعملت على الدخول من باب المساعدات العسكرية للجيش الأوكراني، من حيث التسليح والتدريب. وتولت بريطانيا مهمة الحملة الإعلامية المكثفة بهدف شيطنة روسيا واختلاف القصص والفبركات عن نية روسيا غزو أوكرانيا. عندما فشلت خطتها (واشنطن) بالثورة الملونة في بيلاروسيا، وعدم قدرتها على وقف مشروع الغاز، انتقلت إلى مرحلة الأعداد للاشتباك المباشر بين القوات الأوكرانية مع الجيش الروسي، بحجة تحرير الأراضي الأوكرانية من الانفصاليين المدعومين من روسيا على الحدود الشرقية لأوكرانيا. وبدأت أمريكا وبريطانيا فعلا بفتح معسكرات تدريب وتسليح للجيش الأوكراني، وعملت على تشكيل وتجهيز مليشيات عسكرية من القوميين والنازيين الجدد”.

ونوه جبرين إلى أنه، بالمحصلة، أصبحت أوكرانيا جزءا من حلف الناتو بشكل عملي، دون توقيع الاتفاقية الرسمية؛ وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، عمل البيت الأبيض وحكومة بوريس جونسون البريطانية، على إطلاق حملة من الإشاعات والأكاذيب حول نوايا روسيا المبيتة في غزو أوكرانيا، وعمدت المجموعات الأوكرانية المتطرفة إلى افتعال الاشتباكات والاحتكاك العسكري على الحدود الشرقية مع روسيا، وكل ذلك على أمل جر روسيا إلى المعركة.

وبحسب جبرين، إن استشعار روسيا للخطر الداهم، وضعها أمام خيارين أحلاهما مر، إما القيام بخطوات استباقية لتدمير عناصر الخطة الأنغلو- ساكسونية في مهدها، ومواجهة احتمالات المواجهة المفتوحة مع حلف الناتو مجتمعا، بما فيها العقوبات الاقتصادية، أو انتظار أن يقوم الطرف الآخر، عبر أدواته المحلية الأوكرانية، بخطوته الأولى ومن ثم الرد عليها.

ولفت جبرين، إلى أنه في كلتا الحالتين، يبقى احتمال المواجهة الشاملة عسكريا واقتصاديا وسياسيا قائما؛ وأن إيجابيات السيناريو الأول هي أخذ زمام المبادرة، قبل أن يستكمل الطرف الثاني كافة استعداداته، وكسب عنصر المباغتة والمفاجأة؛ “وهكذا كان”.

وبرأي المحلل السياسي دخلت روسيا حلبة الصراع الحالية وهي مسلحة باتفاقيات “بريكس”، وعضوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي اجتازت امتحان قدرة كبير في أزمة كازاخستان الأخيرة، والتحالف الاستراتيجي مع بيلاروسيا، والذي يسمح لها بنشر أنظمة دفاع استراتيجية، والاتفاقية الاستراتيجية مع الصين، واتفاقيات تعاون استراتيجية مع الهند وايران وغيرها من الدول في قارة اسيا وامريكا اللاتينية؛ وفوق ذلك كله مستوى عالي من الاستقرار السياسي والاقتصادي المحلي في روسيا.

وقال في هذا الصدد، “في المقابل، يعاني الطرف المقابل من آثار الهزيمة المعنوية الكبيرة على إثر الانسحاب من افغانستان، وتراجع في النفوذ وانسحابات متتالية من منطقة الشرق الأوسط، وتراجع في وتيرة النمو الاقتصادي الأمريكي والبريطاني، ومستوى غير مسبوق من التضخم، وفشل متواصل في السيطرة على الملفات الساخنة في العديد من دول أمريكا اللاتينية، وفقدان ثقة مع معظم الشركاء الأوروبيين، خاصة بعد الإعلان عن الحلف الخاص الجديد مع استراليا وكندا.

ويرى جبرين، أنه، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على انهيار الاتحاد السوفييتي، ودخول الولايات المتحدة والدول الأوروبية الى السوق الروسي، وضمانات من القيادة الروسية، آنذاك، بالتخلي عن النفوذ الروسي السابق في دول أوروبا الشرقية وخاصة المانيا الشرقية، بما سمح بإعادة توحيد ألمانيا؛ إلا أن هذه التحولات لم تكن كافية لرفع اسم روسيا كعدو أول في المنطقة من عقيدة حلف شمال الأطلسي، وبقت أمريكا وبريطانيا وفرنسا تتعامل مع روسيا الاتحادية على الأرض كعدو للحلف”.

والتطورات التي تبعت انهيار الاتحاد السوفيتي، يقول جبرين، سمحت لروسيا بإعادة طرح نفسها كشريك للاتحاد الأوربي، بدلا أن تكون منافسا له، وطرحت مرة أخرى ضرورة إعادة النظر في جوهر العلاقة الروسية – الأوروبية ومرتكزاتها الفكرية، من قبل أهم أعضاء النادي الأوروبي، المانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها؛ خاصة في ظل تشابك وتداخل المصالح مع الطرف الروسي في ملفات ساخنة وناشئة، في مناطق إقليمية متعددة في القارة الأفريقية وآسيا.

وبين المحلل السياسي أن الحلف الأنغلو – ساكسوني استشعر خطر هذا الطرح، و”استنفرت دوائر القرار الأمريكي علاقاتها مع النخب السياسية الأوروبية، وشنت حملة شعواء على كافة أشكال التعاون الروسي – الأوروبي، والتحذير من نوايا روسيا بالتمدد مرة أخرى شرقا.

وأمام هذه التطورات في الخارطة الجيوسياسية، كانت أوكرانيا المرشح الأمثل لانطلاق هذه الحرب الجديدة، “فالعلاقات الروسية – الأوكرانية سيئة جدا، وهناك اشتباك على الأرض، منذ عام 2014”.

ويعتقد جبرين، أن المناخ العام في أوكرانيا جاهز ومستعد للتجاوب مع التحريض الأمريكي، فالتحالف بين القوميون المتطرفون والنازيون الجدد وأحزاب العولمة (أتباع سوروش) وغيرهم، الذين اصطفوا في خندق واحد ضد ما يسمونه “العدو الروسي”، بتعليمات مباشرة من السفارة الأمريكية في كييف.

وذلك، برأي المحلل السياسي، يطرح مجموعة من علامات الاستفهام حول نوايا واشنطن ولندن المخطط لها مسبقا، لجر روسيا إلى اشتباك عسكري في أوكرانيا، مما يشكل سببا كافيا لإعادة توحيد الموقف الأوروبي في إطار حلف الناتو، تحت قيادة الحلف الخاص الأنغلو – ساكسوني، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف موحد، لمعاقبة روسيا و تنفيذ الخطة الأمريكية الأساسية في محاصرتها وشل اقتصادها وتعطيل تحالفها الحالي مع الصين.

وخلص جبرين إلى أن تصريحات رئيسة الاتحاد الأوروبي، حول استبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي، واتخاذ قرار بتعليق نظام “سويفت” مع البنك المركزي الروسي وعدد من البنوك التجارية؛ تلخص هذه التصريحات والإجراءات جوهر الأهداف الأمريكية من الجولة الجديدة من الحرب الساخنة مع روسيا.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس الماضي، إطلاق عملية عسكرية خاصة في دونباس، جنوب شرقي أوكرانيا، بهدف حماية السكان، الذين ما زالوا يتعرضون للإبادة الجماعية من قبل نظام كييف، على مدار الثماني سنوات الأخيرة.

وتهدف العملية، كما أوضح الرئيس الروسي، إلى وقف عسكرة أوكرانيا ومواجهة النازيين الجدد، وتقديم جميع المسؤولين عن الجرائم الدموية ضد المدنيين في دونباس، إلى العدالة؛ مؤكدا أنه لا توجد خطط لاحتلال أوكرانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى