مالي و موريتانيا و أزمات متجددة
مالي و موريتانيا يجمع بينهما الدين والثقافة ونجمعهما حدود برية تزيد على 2200 كليومتر هكذا العلاقة بين الدولتين و التي توصف بأنها عريقة و عميقة، إذ تعتمد مالي الدولة الحبيسة على ميناء نواكشوط بما أنها دولة غير ساحلية في استيرادها و تصديرها من وإلى الخارج و كذلك تستقبل عبر الطرق البرية الموريتانية شاحنات محملة بالبضائع قادمة من الجزائر والمغرب
وهناك 150 ألف لاجئ في موريتانيا من مالي، ويتوقع أن يصل العدد في النصف الأول من 2024 إلى ربع مليون نسمة وتستورد موريتانيا من مالي أعلاف المواشي وبعض المنتجات الزراعية، وتنشط في باماكو جالية موريتانية أغلبهما من التجار ولهم استثمارات متنوعة وتعتبر موريتانيا جاذبة للعمالة من مالي وخاصة في مهن الحرف اليدوية والأعمال المنزلية وفي المقابل يعتمد المربون وتجار المواشي في المناطق الشرقية الموريتانية على الأراضي المالية التي تتميز بوفرة المراعي الخصبة والغابات الكثيفة
و قد شهدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة توترا كبيرا تجاوز فيها الجانب السياسي إلى الأمني وسط تحولات سياسية كبيرة تمر بها منطقة الساحل و الصحراء في أفريقيا، حيث توالت التقارير في موريتانيا عن تعرض مواطنيها للقتل الممنهج على أيدي جنود الجيش المالي.
إذ وردت تقارير عن مقتل 7 رعاة من موريتانيا في الأراضي المالية على يد الجيش المالي في يناير 2023 و على إثر ذلك خرجت مظاهرات في مقاطعة “عدل بكرو” الموريتانية تطالب الحكومة بتوفير الحماية للمواطنين
حينها أرسلت السلطات الموريتانية وفدا إلى باماكو للبحث في ملابسات و ظروف الحادث وتعهد وزير الداخلية المالي بمواصلة البحث و التحري والقبض على المجرمين، واستبعد أن يكون الجيش خلف هذه الأعمال واتهم جهات سماها بالماسونية بتدبيرها، في حين حاولت الصحافة المحسوبة على المجلس العسكري توجيه أصابع الاتهام للمخابرات الفرنسية قائلة إنها تهدف لإفساد العلاقة بين الجارتين
و بعد مرور أقل من شهرين على الحادث المذكور في مارس 2023، تم قتل عدد من الموريتانيين في الأراضي المالية، و أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في باماكو عن فتح تحقيق وإرسال وفد إلى نواكشوط للتوضيح.
حينها تم استدعاء السفير المالي من قبل الخارجية الموريتانية التي أبلغته باحتجاجها، و قالت في بيان أنها “أبلغت السفير المالي احتجاجا شديد اللهجة على ما تكرر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية تقوم بها قوات نظامية مالية على أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العزل”وبعد فترة من رسائل التهدئة بين البلدين تم طي الملف دون الوصول لنتائج التحقيق ، ولم تقم موريتانيا أيضا بأي خطوة في اتجاه التصعيد.
وقد ظل التوتر مهيمنا على علاقات البلدين بسبب الأحداث الحدودية، وكذلك إختلاف المواقف من القضايا الإقليمية والموقف من فرنسا.
وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي بعث سابقا برسائل توحي بعدم التناغم مع سياسة السلطة في نواكشوط، إذ انسحب من مجموعة دول الساحل الخمس في مايو 2022، وقاد بعد ذلك حراكا ضدها.
ولكن وردت تقارير في بداية أبريل 2024 عن قيام جنود من القوات المسلحة في مالي بذبح موريتانيين على الشريط الحدودي بين البلدين، وتوالت بعد ذلك أحداث قتل واختطاف لموريتانيين داخل قرى و أراضي مالية، حسب شهادات الموريتانيين
وفي محاولة منها لتفادي التصعيد،كثفت باماكو اتصالاتها مع الحكومة الموريتانية، فأجرى الرئيس الانتقالي في مالي مكالمة هاتفية مع الرئيس الموريتاني، وأرسل وفدا دبلوماسيا وعسكريا ضم وزيري الخارجية والدفاع إلى موريتانيا في 15 أبريل الجاري لكن الزيارة حسبما قالت الصحافة الموريتانية لم لم تؤتي ثمارها إذ لم يتوصل الجانبان لأي كيفية بشأن حماية الموريتانيين في مالي من الهجمات المتكررة و التي حسب المسؤولين في نواكشوط تقف خلفها قوات موالية للنظام في باماكو
و يرى المراقبون أن العلاقات و الروابط التاريخية كذلك المنافع المتبادلة بين الدولتين يوجب أن تبقى الأوضاع بعيدة عن التوتر والتجاذبات الأمنية و إن كان منطق السياسة والسيادة لا يرضى بالإستقرار بديلا عن الدفاع عن الشعوب و تراب الأوطان.
ويرى أحد المحللين السياسيين أن موريتانيا ليس من مصلحتها الدخول في حرب على حدودها الشرقية في الوقت الذي تعمل فيه على الاستقرار و أن تكون رافعة اقتصادية من خلال اكتشافات اليورانيوم والدخول في نادي الدول المصدرة للغاز، كما أن مالي تدرك تماما أن موريتانيا هي امتداد لأمنها القومي ومصالحها الاقتصادية، وهذا ما يقتضي البعد عن التهور و إشعال جذوة العداء
و أضاف أنه أيضا هناك أيضا احتمالات واردة بما في ذلك الصدام العسكري في حالة عدم تسوية الأمور وديا لأنه في الخلافات السياسية قد تخرج الأمور عن السيطرة وتصل إلى حروب كبيرة من مستصغر الشرر .
وتتزايد مؤشرات الخلاف والتوتر في الأيام الأخيرة رغم الزيارات المتبادلة وفتح قنوات الاتصال وخاصة بعد سحب باماكو لسفيرها في نواكشوط ولم تعين أحدا مكانه.