ماذا سيحدث بعد انتهاء العملية الروسية في أوكرانيا… “أهلا بكم في العالم الجديد”

أيام فقط كانت كفيلة بقلب موازين العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا أيضا، منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، الأمر الذي شكل صدمة حقيقة لدى الغرب، حيث تعتبر هذه العملية أكبر انكسار لسياسة القطب الواحد من أكثر من 30 عاما.
العملية التي وصف، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لحظة اتخاذ قرارها، بالقرار الصعب، كان وقعها أصعب بكثير على حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي ظهر واقعه الحقيقي على الأرض بعيدا عن الإعلام.

نسر برأسين… القوة والسلام

11 يوما استمر فيها الجيش الروسي بالتقدم بصمت، متجاهلا الحرب الإعلامية الشرسة التي نفذها الناتو أو المؤسسات والشركات التابعة والمندرجة تحت سلطة دوله، مثل “فيسبوك” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي التي بثت آلاف الرسائل الموجهة إلى الداخل الروسي، لكن الواقع على الأرض مختلف تماما واقع “أبطال السوشيال”، بتغريداتهم ومقاطهم المصورة التي ثبت تزوير الكثير منها.

“نسر برأسين، أحدهم ينظر إلى الشرق، والآخر إلى الغرب، هو شعار الدولة الروسية، الذي تقيدت به أيضا في سياساتها، فعندما هدد أمنها القومي من الغرب، تحرك نسرها بشكل عاجل لإيقاف تقدم “ناتو” ماسكا بإحدى قدميه، صولجان القوة، في إشارة إلى القوة الضاربة التي يتمتع بها المنتصر في الحرب العالمية الثانية، وبلأخرى، رمز السلام، وهو ما تؤكده موسكو، من خلال سعيها الدائم لحل الأزمات من خلال المفاوضات، وهو ما شهدناه في سوريا أيضا”.

لكن يبقى السؤال، ماذا سيحدث بعد انتهاء العمليات؟ المؤكد هو أن انتصار الجيش الروسي، أمر محسوم، لا يناقشه أحد سواء من أعضاء حلف الناتو أو غيرهم من الضالعين في العلوم العسكرية، مهما بلغ حجم الدعم العسكري لحكومة كييف، وهو أمر بدأ يعترف به الرئيس الأوكراني، وبدأ يظهر جليا على أرض الواقع، خصوصا مع وجود مناصرين كثر لروسيا داخل أوكرانيا نفسها، بعضهم أعضاء داخل البرلمان، لكن تبعات العملية عالميا ستكون كبيرة أيضا، وتجلياتها ستكون أكبر.

العالم شطر إلى نصفين… شرق وغرب

قد تبدو التصريحات الصادرة عن دول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ومنع الطيران، وغيرها من الإجراءات الكثيرة، بمثابة “قنبلة إعلامية كبيرة” إلى حد ما، لكن الجغرافيا وأرض الواقع، لها معايير أخرى، خصوصا إذا علمنا أن كل مساحة الأراضي المغلقة أمام روسيا، أي الجزء الأوروبي (الاتحاد الأوروبي)، لا يتعدى بمساحته الجغرافية، الجزء الأوروبي من روسيا ذاتها.
جنود من الفرقة 82 المحمولة جواً الأمريكية يتدربون مع لواء الفرقة المسلحة بالبندقية رقم 21 البولندي، نوا ديبا، بولندا، حدود روسيا 23 فبراير 2022 - سبوتنيك عربي, 1920, 06.03.2022
اعتبرت بعض الصحف والمحللين السياسيين أن موقف الصين كان “متواضعا” بسب احتياجاتها التجارية، لكن الصين تعاني ما عانته روسيا تماما، ويمكن القول بأن التنين الصيني، ينتظر بفارغ الصبر، اللحظة المناسبة لفرض شروطه في بحر الصين الجنوبي، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير “قلقا كبيرا”، بحسب “بي بي سي”.

الطريقة الأمريكية بالتعاطي مع الأزمات الدولية، عن طريق التسليح تارة، والهجوم المباشر تارة أخرى، يحتم على دول آسيا التكتل وإنشاء أحلاف من شأنها مواجهة توسع الناتو المستمر على حساب مصالح الدول الأخرى، وهو ما حذر منه مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، الذي كان مسؤول سياسي في السفارة الأمريكية في موسكو، والذي أبلغ واشنطن أن “العداء (للناتو) ظهر في وقت مبكر، وأن توسع الناتو محسوس عالميا تقريبا”، بحسب “theconversation”، لكن من يتوقع أن بكين ترضى باستمرار هذا التهديد لأمنها القومي بجانب حدودها، عليه إعادة التفكير وقراءة تاريخ حروبها القديمة.

ومن جهة أخرى، اعتبر التقرير المنشور في” الجارديان” أن توسع  “الناتو” سيكون له نتائج عكسية، حيث حذر الأب الفكري لسياسة الاحتواء الأمريكية خلال الحرب الباردة، جورج كينان، من هذه السياسة التوسعية، التي اعتبرها “خطأ مأساوي”، وقال: “لم يكن هناك سبب لهذا (التوسع) على الإطلاق. لم يكن أحد يهدد أي شخص آخر”، لكن من المؤكد أن هذا التوسع، سيجر دولا أخرى إلى الأحلاف المناهضة له أيضا.

عالم رقمي جديد بوسائل تواصل اجتماعي “محظورة”

استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمة الحالية، لن يمر مرور الكرام، حيث من المتوقع أن يبدأ العمل بشكل جدي على الحد من تأثير وصول هذه المنصات الأمريكية في روسيا وفي الكثير من الدول أيضا، ليس فقط بسبب تأثيرها أثناء الأزمات، بل بسبب تأثيرها السيء أيضا على الحياة وعلى الإنتاج أيضا، لكن إذا ركزنا حاليا على الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية مؤخرا، يلاحظ أن مفتاح هذه المنصات بقبضة محكمة في واشنطن، استخدمته بحزم خلال الاحتجاجات الداخلية بعد انتخابات الرئيس جو بايدن، أما في حالات “الربيع العربي” والأزمة الأوكرانية، فقد استخدمته لخدمة مصالحها، الأمر الذي قد يقابل بمنع هذه المنصات للأبد في بعض الدول، والصين أكبر مثال ناجح على ذلك.
في الختام، لا بد من وضع المشاعر جانبا، والتفكير بمنطق تلك القوى الكبرى، نحن نتحدث هنا عن أكبر دولة في العالم بمساحة تقدر بأكثر من 17 مليون كيلومترا، وعن الدولة التي دخلت جيوشها برلين من دون استخدام أسلحة نووية وغيرت مجرى التاريخ، وعن أول رائد فضاء في البشرية، وعن أكبر مالك للصواريخ النووية، إن من يتوقع أن مثل هذه القوة العظمى تهزها معركة جانبية، من المؤكد أنه قرأ صفحات التاريخ على منصات “فيسبوك” و”تويتر” فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى