كيف ستؤثر التوترات الجيوسياسية والأزمة حول أوكرانيا على الأسواق المالية؟
كان أغلب ظن المحللين والخبراء الماليين وكذلك المستثمرين قبل بداية العام الجاري أن رفع القيود الوبائية وبدء انحسار الجائحة والتضخم وما يرتبط به من إجراءات، ستكون العوامل الأساسية المحركة للأسواق المالية وأداء الاقتصادات.
لكن تتجه الأنظار إلى عامل آخر، ليس جديدا تماما لكنه أكثر إثارة للقلق – وربما للذعر عند مرحلة ما – لما يشكله من خطر محتمل في المستقبل الكبير؛ هذا العام هو “التوترات الجيوسياسية”، والتي باتت أكثر لفتا للانتباه مع تصاعد الأزمة حول أوكرانيا.
أصبح على المستثمرين الآن التعامل مع حالة عدم اليقين العميقة بشأن كيفية تطور الوضع على الحدود الروسية الأوكرانية، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”.
تراجعت الأسهم العالمية بشكل جماعي وارتفعت أسعار النفط الغاز وبعض السلع الأساسية، يوم الثلاثاء، في أعقاب إعلان الرئيس فلاديمير بوتين اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك.
يمكن للاقتصاديين على الأقل محاولة التنبؤ بنتيجة قرارات البنوك المركزية من خلال بناء نماذج حاسوبية تستند إلى البيانات والتعليقات من المسؤولين، مع الأخذ في الاعتبار السوابق التاريخية.
لكن نتيجة المواجهة بين روسيا والغرب هي نوع من ما يسمى بـ”مخاطر الذيل” التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي، ومع ذلك لا يمكن صياغتها بسهولة أو بدقة، والآن بدأ الشعور بعدم اليقين يتسلل إلى الأسواق المالية.
و يستمر التقلب في سوق السندات الحكومية الأمريكية، التي تعتبر حجر الأساس للنظام المالي العالمي، وقد بلغ عند أعلى مستوياته منذ اضطراب السوق في وقت مبكر من أزمة فيروس كورونا قبل عامين.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه المستثمرون تحليل عناوين الأخبار حول الوضع بين روسيا وأوكرانيا، وأيضا مع محاولاتهم فهم الخطوات التالية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لكبح جماح التضخم.
في الوقت نفسه، أصبحت أسواق الأسهم أكثر توترا، مع ارتفاع تكلفة الحماية من التقلبات على المدى القريب في وول ستريت.
مع ذلك، قال جيم ريد المحلل الاستراتيجي في مصرف “دويتشه بنك” إن عمليات بيع الأسهم الأمريكية التي أثارتها الأحداث الجيوسياسية تميل إلى أن تكون “قصيرة الأجل”.
وأضاف أنها تستمر لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا للوصول إلى ذروتها وثلاثة أسابيع أخرى للتعافي من المستويات التي وصلت إليها.
مما لا شك فيه أن انخفاض الإصابات وتخفيف القيود في الكثير من دول أوروبا، بالتأكيد سيؤديان إلى تعزيز النشاط الاقتصادي خلال فبراير/ شباط، ورفع مؤشري مديري المشتريات “آي إتش إس” للتصنيع والخدمات.
وتوقع خبراء اقتصاديون استطلعت “رويترز” آراءهم أن مؤشر مديري المشتريات المركب في المملكة المتحدة، وهو مقياس لحيوية القطاع الخاص، سيرتفع إلى 55 نقطة في فبراير من 54.2 في الشهر السابق. أي قراءة أعلى من 50 تشير إلى أن غالبية الشركات شهدت توسعا.
من المتوقع أن يرتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في المملكة المتحدة في فبراير بعد تراجع اضطرابات سلسلة التوريد، ومن المتوقع أن يقفز مؤشر مديري المشتريات الخدمي بأكثر من نقطة واحدة إلى 55.2 مع عودة العمال إلى المكتب والتواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، بالنسبة لكل من قطاعي التصنيع والخدمات، لا تزال هناك مخاوف مع نقص العمالة الذي يحد من الإنتاج و كذلك الضغوط التضخمية التي تهدد بالضغط على دخل الأسرة، بحسب محللين.
ومع ذلك، فإن أي قراءة أقوى من المتوقع لمؤشر مديري المشتريات قد تدعم الرأي القائل بأن بنك إنجلترا سيرفع الفائدة مرة أخرى في اجتماعه في مارس/ آذار، حيث يكافح مع أعلى معدل تضخم تشهده البلاد في 30 عاما.
من المتوقع أن تكون وتيرة التوسع أضعف بشكل هامشي في منطقة اليورو، مما يعكس، ومع ذلك، يتوقع الاقتصاديون أن يرتفع مؤشر مديري المشتريات المركب للمنطقة إلى 52.7 في يناير من 52.3 في الشهر السابق، بعد تسارع النشاط في كل من فرنسا وألمانيا.
وكذلك من المحتمل أن يظل معدل ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة ثابتا بالقرب من أعلى مستوى له في 38 عاما خلال يناير، بناء على مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقترب من رفع الفائدة للمرة الأولى منذ بداية الوباء.
و من المتوقع أن يتطابق مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، مع مكاسب الشهر السابق عند 0.5%، وفقا لاقتصاديين استطلعت “بلومبيرغ” آراءهم.
من شأن ذلك أن يرفع المؤشر إلى 5.2% عن الأشهر الإثنى عشر الماضية، بارتفاع طفيف عن مستوى 4.9% المسجل في ديسمبر/ كانون الأول والتي كانت أكبر زيادة منذ عام 1983.
ومن المتوقع أيضا أن يظهر التقرير الصادر عن مكتب التحليل الاقتصادي يوم الجمعة، انتعاشا بنسبة 0.6% في الإنفاق الشخصي في ديسمبر. أدى الارتفاع الحاد في الأسعار خلال العام الماضي إلى زيادة الضغط على إدارة بايدن والاحتياطي الفيدرالي لترويض التضخم المتفشي.
وقال جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس والعضو المصوت بلجنة السياسة بالبنك المركزي، إنه سيدعم رفع سعر الفائدة القياسي بنقطة مئوية كاملة بحلول بداية يوليو/ تموز، ما يشير إلى زيادة بمقدار نصف نقطة على الأقل، وهو أمر لم يفعله الفيدرالي منذ عام 2000.
يضع المستثمرون الآن احتمالات بنسبة 52% على قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بدفع أسعار الفائدة بمقدار نقطة واحدة على الأقل قبل نهاية اجتماع السياسة في يونيو/ حزيران.
لذلك، ففي الوقت الذي يتشكل فيه دعم للأسواق مع تعافي النشاط الاقتصادي مع تخفيف الضغوط الوبائية وأزمة سلاسل التوريد، فإن ذلك يحفز البنوك المركزية لرفع الفائدة وهو ما يمل ضغطا على أسواق الأسهم، ويضع الاقتصادات الناشئة في موضع الخطر.
لكن هذا حتى الآن على أي حال، وسيكون مقترنا بمدى تطور الأحداث الجيوسياسية والتي يمكن عند مرحلة من التصاعد أن تتسبب في تقويض التعافي أو إرباك سلاسل التوريد، وربما حتى تدفع البنوك المركزية لتعديل خطط السياسات سواء نحو تشديد أقوى أو أقل أو ربما التخفيف.
أما إذا ظلت الأمور مستقرة نسبيا أو كما هي الآن على الأقل، فربما تمضي الأسواق كما هو متوقع، ورغم أن رفع الفائدة قد يشكل ضغطا عليها، لكنها على الأقل ستكون ضغوطا متوقعة ومفهومة للجميع.