صناعة العدو و تقويته
أن إسرائيل تعتمد في بقائها ووجودها على معادلة وحدتها في مواجهة عدوها وهذا ما يفسر سعيها الدائم لإيجاد عدو وتقويته وتجعل منه خطرا وجوديا عليها. و يرى الكاتب أن ما تقوم به حركات محور المقاومة ببثها لمشاهد ومقاطع مصورة حول ما يمكنها القيام به، وغيرها من الدعاية التي لا يرى لها أيّ مقاصد سوى تصوير أن المقاومة لديها قدرات متقدمة وأنها قادرة على تدمير إسرائيل بالكامل!
و يتساءل الكاتب إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تقم تلك الحركات بالهجوم وتدمير ما قامت بتصويره، ما دامت لديها هذه القدرة للوصول إلى تلك الأماكن بدلاً من إشعار العدو بالأماكن التي من الممكن قصفها في أيّ مواجهة قادمة؟ وماذا تنتظر؟ وما هو الوقت المناسب إذا لم يكن الآن؟
و يرد الكاتب على تلك التساؤلات التي طرحها بأنه من الواضح بالنسبة إلي أن كل تلك المقاطع ومن جميع مفاصل المحور موجهة للرأي العام الداخلي، وتأتي في سياق الحرب الإعلامية لا أكثر، وبثها مبني على الصعود والهبوط في تأييد تلك الحركات.
و يضيف الكاتب أنه بعد وصول جزء من الرأي العام إلى نتيجة مفادها أن تحقيق النصر غير ممكن بهذه المقاربة على الرغم من الخسائر التي يمنى بها الجيش الإسرائيلي بشكل يومي، وما تعانيه إسرائيل جراء هذه الحرب من خسائر على جميع المستويات، حيث أن من يدفع الثمن الأكبر هو الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ناهيك عن لبنان واليمن فإن هذا الجمع يرى أن المواجهة الأساسية مع الولايات المتحدة وليست مع إسرائيل، وأن تلك الدولة المجرمة “إسرائيل” ما هي إلا موقع متقدم للإمبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي لن تتركها وحدها في أيّ مواجهة قادمة مهما كانت حجم الخلافات السياسية بينهما فالأحداث في بداية هذه المعركة أثبتت هذا، فقد توجهت حاملة طائرات أميركية إلى البحر الأبيض المتوسط علاوة على العشرات من القطع البحرية من العديد من الدول الغربية، وظلت هناك حتى تأكدت بأن الرسالة قد وصلت. مما جعل الجميع وعلى رأسهم إيران ومحورها يعيد حساباته، بل وصل بهم الحال أن نفوا أن لهم أيّ علاقة بما حدث، ولم يكونوا على علم مسبق به!
و يعود الكاتب و يتسائل هل محور المقاومة لديه القدرة للدخول في حرب مع تلك القوى في حين أن جرّ الدول العربية لحرب شاملة غير ممكن التحقيق، على الأقل في الوقت الحالي؟
و أشار الكاتب إلى أن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو قال إن إسرائيل تقاتل على سبع جبهات، وذهب لإلقاء كلمة في الكونجرس الأميركي كأنه رئيس الولايات المتحدة وقد رأينا حجم الكذب في كلمته وكيف تم استقباله وكم من المرات صفق له الحضور وقوفاً، بالرغم من أن جميعهم موقن في داخله أنه مجرم حرب تجب محاكمته، ولكن لغة المصالح بالنسبة إليهم أهم وأقوى من القيم والمبادئ ويكاد يجمع كل المحللين السياسيين وغيرهم بمن فيهم الناطقون المختلفون لحركات المقاومة أن نتنياهو يسعى بكل قوته لاستمرارية هذه الحرب، وعليه نطرح السؤال التالي: هل يجب أن يتم عزل نتنياهو سياسياً ومجابهته دبلوماسياً وقانونياً، أم توفير عوامل الاستمرار له لما يقوم به بإبقاء الحرب مشتعلة؟
ثم يعرض الكاتب لوجهة نظره فيقول “أنا لا أرى في ما تقوم به كل حركات المحور سوى محاولة منها أيضاً لإطالة أمد الحرب ولمصالحها المختلفة أيضاً من كسب تأييد البسطاء وتأجيل النظر في الملفات المختلفة السياسية أو الاقتصادية لشعوبها، علها تحدث معجزة تغير من مجريات الأمور والتي من وجهة نظري لا يوجد لها سوى النتائج التالية:
الأولى، أن تستمر المواجهة بين الأطراف وأن تتحول تدريجياً إلى حرب شاملة لا تبقي ولا تذر.
الثانية، أن يعلن أحد الأطراف استسلامه وهذا يعني أن الطرف الآخر قد ربح المعركة ولكنه بكل تأكيد لم يربح الحرب، وهنا يجب النظر في موازين القوى وما هي مقاييس الهزيمة وما هي مقاييس النصر لنرى من سيكون الطرف المهزوم.
والثالثة، أن تتحول الحرب الحالية إلى حرب مستمرة لا نهاية لها لتصبح مسألة روتينية عادية مثل ما حدث في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول التي لا تملك سيطرة مركزية، في حين تستمر معاناة الشعب الفلسطيني ومأساته.
و يخلص الكاتب في النهاية إلى أن إسرائيل تعتمد في بقائها ووجودها على معادلة وحدتها في مواجهة عدوها، وعليه فهي تسعى دائماً لإيجاد عدو وتقويته وجعله يشكل خطراً وجودياً عليها “حتى لو كان نمرا من ورق” وبالتالي تتوحد كلها لمواجهة هذا العدو وبالتالي يستمر بقاؤها ووجودها.
و يختتم الكاتب مقاله بسؤال عما إذا كان قد آن الأوان لأن نفهم هذه المعادلة، وبدلاً من أن نوفر لإسرائيل عوامل الوجود أن نعمل على تقوية أسس الانهيار؟
المتشائم يشتكي من الريح والمتفائل يأمل في توقفها والواقعي يعدّل الأشرعة.