ديانتنا الأولى .. مصر

بقلم الكاتب الصحفي و الاديب حزين عمر

 

موجة عاتية جديدة من موجات (التفجير من الداخل ) بعد معركة ممتدة وعنيفة من أجل (شد الأطراف ) ..في الجنوب حيث انهيار السودان واستمرار بناء سد الحبشة ووصوله إلى الملء الخامس ..وتهديد مصر بموجات من الفلسطينيين المتوقع هروبهم من جحيم العدوان الصهيو ني العنصري المتوحش ؛ لولا صمود هؤلاء الغزاويين الأبطال ….
القنبلة الجديدة تلقى على (الكتلة الصلبة) لمصر ؛ أي شعبها ذي السبيكة الواحدة وذي الديانتين الجديدتين عليه : المسيحية والإسلام !! وربما يندهش ؛ ينزعج ؛ بعضنا عند تعبير:(الديانتين الجديدتين ) هذا !! فنؤكد أنهما كذلك فعلا بالنظر إلى تاريخ شعب وحضارة أمة وعقيدة مجتمع تمتد أكثر من عشرة آلاف عام .. ولا تتجاوز أعمار الديانات الإبراهيمية كلها : اليهودية والمسيحية والإسلام أربعة آلاف عام ..فقد ورد إبراهيم – عليه السلام – إلى مصر حوالي عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد

.
قبل هذه الديانات ومعها عرف المصريون – منذ إدريس عليه السلام – الطريق إلى الإله الخالق ؛ والخير والشر؛ والبعث والخلود ؛ والحساب والعقاب؛ والجنة والنار …. وظلت عقائدهم التوحيدية هذه سارية في حياتهم ؛ ويتوحدون بها ؛ حتى هذه اللحظة!! وقد (روى الأب أبيب النقادي أنه رأى في ثمانينيات القرن التاسع عشر وهو شاب ؛ جنازة لقبطي ؛ دفن بالجبل الغربي “غرب النيل في مواجهة نقادة ” ورأى أقارب الميت يفتحون التابوت ويضع كل واحد منهم ثمثالا صغيرا ؛ في حجم الإبهام؛ مع جثة الميت ؛ ثم أغلقوا التابوت وصاح أكبر الحضور :(شوباتشي) ؛ فقام الحضور بتحريك ألسنتهم بصوت الزغردة .. ثم تصادف أن رأى جنازة لمسلم في نفس المكان “مقابر الأقباط كانت مقابل مقابر المسلمين” بعد عدة أيام. وقام أقارب المتوفي بوضع تماثيل شوباشي صغيرة في كفن الميت ؛ وصاح أكبر الحضور “شوباشي” فقام الحضور بتحريك ألسنتهم بصوت الزغردة..وعلق الأب أبيب ؛ فقال : إن التراث المصري الفرعوني ظل مؤثرا في مصر القبطية ؛ ثم في مصر الإسلامية..”شوباتشي تعني في المصرية القديمة المرددين ؛ وكأن هذه التماثيل تردد الدعاء للميت” .. ومن الأمور العجيبة أن يردد المصريون “شوباش” الآن في أفراحهم .) ..هذا بعض مما أورده علي الألفي في كتابه (أنبياء مصر وأنبياء السامية) ..
ولا نستقصي آلاف العادات والاعتقادات والمصطلحات الحية الراهنة الآن لدى الشعب ؛ لكن قد تندهش حين ترى مصطلحات في لب العقيدة قد استقيت مباشرة من كتاب الموتى وغيره من حكمة المصريين وعقيدتهم ..مثل:
_ سورة..أصلها : سورتا المصرية .
_ عزرائيل ..أصلها : عوزير المصرية .
_ الفردوس ..أصلها : فارادوس المصرية .
_ الثالوث .. مصري .
_ منى .. مصرية .
_ نون ..الحرف الوارد ( ن والقلم وما يسطرون) .. مصري !!! وغيره كثير مما لا مجال لذكره الآن ؛ وأعكف منذ سنين على البحث فيه ..أعاننا الله للوصول إلى لب الحقيقة!
أقول قولي هذا تأكيدا للروح المصري الحق والأصيل لرجل الكنيسة القس دوماديوس حبيب ؛ العابر لكل الشكليات والقشور التي أغرقنا فيها بعض الجهلاء وبعض المغرضين وبعض المدسوسين وبعض المتطرفين ورجال الطابور الخامس الذي وجد في مجاملة المسلمين المصريين بذبح عجل في عيد الأضحى ؛ مدعاة للتحيز الطائفي والديني ..وتناسى هؤلاء جميعا ؛ أو طمسوا حقيقة أن مصر ليست أم الدنيا فحسب ؛ بل هي كذلك أم الديانات وأصلها ومنبعها وحاضنتها ..وهي كذلك ليست الجنسية الثانية لكل مثقف في العالم بعد جنسية وطنه ؛ كما يقول الفيلسوف الفرنسي رينان ؛ بل هي الدين نفسه ..وهي العقيدة الأولى لكل مصري ؛ ثم يعتقد بعدها الإسلام أو المسيحية أو اليهودية..أو لا يعتقد!!!

زر الذهاب إلى الأعلى