حمدي الكنيسي .. طِبْ نفْساً أيها الطيب !! لم تتلوَّث .. بالمناصب والنفاق !!

بقلم الكاتب الصحفي و الأديب : حزين عمر

لم نرَ وطناً يأكل أبناءه الأفذاذ ، ويحابي الجاهلين مثلما نرى مصر !! هؤلاء الأفذاذ ــ لا الطافون على السطح زوراًــ هم الذين يحفظون قوام هذا الوطن وهويته ودمه الدافئ في عروقه ، منذ سقوط مصر تحت الاحتلالات القديمة : الإغريق والفرس والرومان والعثمانيين ، ثم الحديثة : الفرنسيين والانجليز والفاسدين واللصوص والمرتشين !!
واحد من هؤلاء الأفذاذ قتله الوطن ــ أو نذلة بعض أبناء الوطن !!ــ قبل أن يموت بعدة سنوات ، إنه حمدي الكنيسي .
إذا تحدثنا عن الوعي فهو واحد من ناشريه وفاهميه ، لا الذين يرددون المفردة ” بدون وعي ” بها وبأبعادها وبأعبائها ..وإذا تحدثنا عن البطولة العسكرية ، فهو واحد من ابطال أكتوبر : من عمق الجبهة كان يطلع الشعب على مجريات النصر وضرورات الصمود ..وإذا تحسرنا على انهيار الغعلام المصري ، وخروجه من ساحة المنافسة العالمية وحتى العربية في السنين الأخيرة ، وتحوله إلى أبواق دعائية فجة منفرة جاهلة ، وبعده عن المهنية و”الوعي” والقيم العليا .. فعلينا أن نتحسر على حمدي الكنيسي الذي يعد رمزا للغعلام الوطني الراقي الملتزم بقضايا الشعب وهموم الأمة ومقتديات التحدي..
صوتٌ صافٍ نقي ، متقن للغة القومية ، متحرٍّ لها في كل برامجه ..وكان ــ رحمه الله ــ نموذجا ساميا لحسن الإدارة كرئيس لصوت العرب ثم رئيس للإذاعة المصرية ..لكن الإدارة لم تسقط الميكروفون من يده ، ولا أسقطت القلم والورق بصفته كاتبا لا إذاعيا فحسب..أما من أسقطوا ميكروفونه وورقه وقلمه فهم من كان ينبغي عليهم أن يحملوه فوق الرأس ،وأن ينزلوه منزلته من قيادة دفة الإعلام : وزيرا أو رئيسا للمجلس الأعلى ..كان لابد أن يدرك مدبرو الأمور أن أحدا لا يحق له تصدر هذا المشهد رسميا في وجود حمدي الكنيسي ، الذي سعى طوال نصف قرن لإنشاء ( نقابة الإعلاميين ) ، وظل مهموما بقضاياها التأسيسية حتى استقامت على ساقين ، وتركها لشانها ومضى !!
تُوزَّع مناصب الإعلام ، ويجري تغييب رمز الإعلام الأول في زمننا هذا ..تقام وزارة دولة للإعلام ” تفصيلا” ولا يرى منشئوها الرجل الأول المناسب لهذا الموقع ، فتفشل الوزارة ــ كما تفشل أشياء كثيرة !!ــ ..تُرَتَب تعيينات الشخصيات في النواب والشيوخ ولا أثر لحمدي الكنيسي ، ككثيرين غيره عظماء في مجالات شتى ، ماتوا كمدا ، وكان آخرهم قبل الكنيسي الدكتور إبراهيم نصر الدين : أعلم المصريين بقضايا إفريقيا ..وقبله الدكتور عادل هاشم عالم المسرح والممثل والمخرج المثقف الكبير ، ومعه الدكتور محمود نسيم : النقادة الشاعر الكبير ، أعلى أساتذة أكاديمية الفنون قامة .
هم جميعا : الكنيسي وإبراهيم نصر الدين وعادل هاشم ومحمود نسيم ، يجمعهم خيط واحد : أنهم الأرقى والأجدر والأفضل في مجالاتهم ، وهم كذلك تجسيد لمعاناة الشرفاء في وطن يأكل أفذاذه ويفرزهم رفاهية في عروق جُهَّاله !! وهم كذلك الأكفاء غير المتسلقين ولا المنافقين ولا الانتهازيين المنبطحين !! إنهم الطيبون ..
فطِبْ نَفساً أيها الطيب ، وادعُ لنا أن نلحق بك قريبا !! .

زر الذهاب إلى الأعلى