المعادن في كازاخستان.. كنز تحت أنظار القوى العظمى

عن المعادن في كازاخستان، هذه الدولة التي احتفلت قبل أسابيع في 16 ديسمبر/كانون الأول بالذكرى الثلاثين لاستقلالها، وهي فرصة للحديث عن هذه الجمهورية السوفيتية السابقة التي أصبحت دولة مستقلة تتطلع أن تصبح من أقوى دول العالم في العشرية القادمة.

في السابق، كان يرتبط اسم كازاخستان بالعديد من الأحداث المتعلقة بالفضاء أيام الاتحاد السوفيتي، خاصة موقع بايكونور Baikonour الذي شهد إطلاق أول قمر صناعي صنعه البشر، وهو ذائع الصيت سبوتنيك، كما كان انطلاق يوري غاغارين، أول رجل يصل مدارًا حول الأرض، من هذه المحطة، وحاله حال إطلاق محطة مير، وكذلك مئات من الأقمار الصناعية السوفيتية، ولا يزال مركز الفضاء هذا ضروريًا بالنسبة لروسيا حتى اليوم.

قبل حديثنا عن المعادن في كازاخستان، من الضروري تقديم بعض البيانات حول هذا البلد المهم، إذ يسكنه ما يقرب من 19 مليون نسمة، ينتشرون على مساحة تزيد على 2.725 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها تاسع أكبر دولة في العالم.

وكازاخستان واحدة من الجمهوريات السوفيتية السابقة الأكثر تضررًا من انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن مع التصميم وضعت سلطات البلد في أوائل التسعينات خططًا لتشجيع الشركات الأوروبية والأميركية والآسيوية على الاستثمار في البلد.

وكانت الوجهة الأساسية للشركات الأجنبية في البداية هي موارد الدولة المعدنية، لكن تطوّر الاهتمام إلى صناعات أخرى، فعلى مدى 30 عامًا من بداية الاستقلال، جذبت البلاد أكثر من 380 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي، وهو أكبر نصيب بالنسبة للفرد في بلدان رابطة الدول المستقلة.

التداعيات المستمرة لوباء كورونا أدت إلى حدوث تباطؤ عالمي كبير في تدفّقات الاستثمار عبر الحدود -بانخفاض بلغ نسبة 35% في جميع أنحاء العالم عام 2020- لكن كازاخستان جابهت ذلك الركود بفضل حزمة تحفيزات فاقت 4 مليارات دولار في عام 2020.

ومن نتائج ذلك أنه في النصف الأول من عام 2021 بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد ما يزيد قليلًا على 11 مليار دولار، بزيادة قدرها 30% عن المدة نفسها من عام 2020، وقد أكد رئيس كازاخستان قاسم جومارت توقاييف مرارًا دعم بلاده للشركات الدولية المستثمرة بالبلاد.

معلومات عن المعادن في كازاخستان

تستفيد كازاخستان من 75% من موارد بحر قزوين النفطية و الغازية، وبلغ إنتاج البلد من النفط سنة 2020 ما قدره مليونا برميل يوميًا وما يقارب 60 مليار متر مكعب من الغاز.

وانضمت كازاخستان إلى أوبك+ سنة 2016، ولكن قطاع المعادن يتمتع بدوره بمزايا عديدة، ما سمح للبلاد بأن يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بها 10 آلاف دولار، على مستوى الصين نفسه، وأن تحسب أقلّ من 3% من سكانها تحت خط الفقر.

المعادن في كازاخستان تمثل مجموعة متنوعة لا يمكن إحصاؤها، ولعل أهمها اليورانيوم الذي يعدّ البلد أول منتج له عالميًا، بما يقارب 40% من إجمالي الإنتاج العالمي.

ويحتلّ البلد المركز الثالث في إنتاج الكروم، والمرتبة الرابعة في إنتاج التيتانيوم بنحو 6% من الإنتاج العالمي، وسابع أكبر منتج للزنك، فضلًا عن العديد من المعادن المنتجة في البلد مثل الباريت والبوكسيت والكادميوم والمغنيسيوم والكبريت والزنك.

تمتلك كازاخستان احتياطيات معدنية ضخمة غير مطوّرة إلى حدّ كبير، فالبلاد تمتلك 30% من احتياطيات خام الكروم في العالم، و25% من خام المنغنيز، و10% من خام الحديد، و5.5% من النحاس، و10% من الرصاص، و13% من الزنك، وفقًا للتقديرات الرسمية.

لا تزال كازاخستان واحدة من أكثر الأسواق الناشئة الواعدة في العالم للموارد الطبيعية، وهي واحدة من الدول الـ10 الرائدة في العالم لاحتياطيات المعادن، إذ أسهم التعدين في عام 2017 بنحو 30% من عائدات التصدير، و9% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، و19% من العمالة الصناعية.

ويهيمن على قطاع المعادن في كازاخستان عدد قليل من اللاعبين الكبار، ومن بين الشركات التي تطوّر مشروعات معدنية غير وقودية، شركات مملوكة جزئيًا للدولة، ومن بينها شركة التعدين الوطنية Tau-Ken Samruk التي تنتج وتسوّق العديد من المعادن، مثل: النحاس والذهب والحديد ومختلف المعادن الصلبة الأخرى.

سهم كازاتومبروم واحتجاجات قازاخستان
اليورانيوم في قازاخستان – أرشيفية

المصدر الأول لليورانيوم في العالم

تمتلك كازاخستان 12% من موارد اليورانيوم في العالم، وهي أكبر منتج له دوليًا، بمعدل بلغ 43% من الإنتاج العالمي سنة 2019، ولطالما كانت مصدرًا مهمًا لليورانيوم لأكثر من 50 عامًا، فبعد أن أصبحت أكبر منتج لليورانيوم في العالم عام 2009، بعد استحواذها على 28% من الإنتاج العالمي، زاد الإنتاج السنوي من 2.114 طن في عام 2001، إلى 24.689 طنًا في عام 2016، قبل أن ينخفض بشكل طفيف بسبب انخفاض أسعار اليورانيوم، وفي عام 2019، كان الإنتاج 22.808 طنًا متريًا، بزيادة 5% عن العام السابق، لكنه انخفض إلى 19.477 طنًا في عام 2020، بسبب تأثير جائحة كورونا.

وتتحكم شركة كازأتومبروم -الشركة الوطنية للذرة- في جميع أنشطة التنقيب عن اليورانيوم والتعدين، بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى ذات الصلة بالمجال النووي، بما في ذلك واردات وصادرات المواد النووية.

ويملك صندوق الثروة الوطنية Samruk-Kazyna أغلبية أسهم الشركة التي طُرِحت 15% من أسهمها للبيع في بورصة أستانا الدولية وبورصة لندن أواخر سنة 2018.

ومن بين 13 منجمًا في البلد، تمتلك شركة كازاتومبروم بالكامل 3 منها، بينما تشترك في المناجم الـ10 الأخري مع مساهمين أجانب.

وفي عام 2020، كانت حصة كازاتومبروم من الإنتاج 10.736 طنًا، بانخفاض 19% من 13.291 طنًا في عام 2019، مما جعلها تتقدم على أورانو وكاميكو.

وتبيع الشركة منتجاتها من اليورانيوم مباشرة من مقرّها الرئيس في نور سلطان، أو من خلال فرعها التجاري THK الذي يوجد مقرّه بسويسرا.

تحفيزات وسياسات كازاخستان

التزمت السلطات الكازاخية بخطّة إصلاح واسعة النطاق، تهدف إلى تنويع النشاط الاقتصادي وتقليل تعرّض البلاد لصدمات أسعار النفط.

لقد عانى قطاع المعادن في كازاخستان -خاصة المعادن الصلبة- منذ مدة طويلة من نقص أنشطة الاستكشاف الجديدة، إذ تعمل جميع المناجم في كازاخستان تقريبًا منذ عقود، لذلك يعدّ توفير الحوافز لأنشطة الاستكشاف أمرًا بالغ الأهمية لتحسين توقعات الاستثمار في هذا القطاع.

المعادن في قازاخستان
منجم Aktogay في كازاخستان

وينبع عدد من التحديات في جذب الاستثمار الأجنبي إلى القطاع جزئيًا من القضايا المتعلقة بالبيئة التنظيمية للبلد وإجراءات التعاقد المعقدة، والتي حددتها السلطات أولوية إصلاح.

فخلال جائحة كورونا، طُوِّر إطار تشريعي لإعفاء الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر من دفع ضريبة الدخل لمدة 3 سنوات، حتى عام 2023، كما أنشئت 13 منطقة اقتصادية خاصة تقدّم ضرائب مواتية، وزيادة على ذلك استُحدِثت “اتفاقية إستثمار” لتوفير شروط خاصة للمستثمرين الإستراتيجيين، كما شهدت الدولة تحسينات في الخدمات عبر الإنترنت، وإصلاح شامل لنظام التصاريح، وتبسيط للاجراءات الإدارية.

منظمة التجارة العالمية

في يوليو/تموز 2015، وبعد 19 عامًا من المفاوضات عقب تقدّم كازاخستان بطلب العضوية لأول مرة، انضمت الدولة إلى منظمة التجارة العالمية.

وتتمتع كازاخستان بعلاقات تجارية مع نحو 185 دولة، وتأمل الدولة من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أن يجعلها أكثر جاذبية للاستثمار، وأن يسهم في إنشاء شركات وفرص عمل جديدة، وذلك عائد إلى أن عضوية منظمة التجارة العالمية هي مؤشر على موثوقية الدولة بصفتها شريكًا تجاريًا.

ومن ناحية أخرى، يتحتّم على البلاد الالتزام بمتطلبات التجارة الحرّة، وعلى وجه الخصوص إلغاء الإعانات الحكومية للمصدّرين.

العلاقات مع روسيا والصين

الموقع الإستراتيجي لكازاخستان وثراؤها المنجمي والنفطي يجعلها محطّ أنظار القوى العظمى، ويعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز مسارات التعاون من خلال اتفاقية التعاون التي وقّعها مع كازاخستان، والتي دخلت حيز التنفيذ في مارس/آذار 2020، إذ أصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للبلاد، و بلغ إجمالي التجارة بين الطرفين 18.6 مليار دولار، في عام 2020.

ولكن الروابط التجارية بين حكومتي كازاخستان والصين تتعزز يومًا بعد يوم، ومن بين أهداف كازاخستان من ذلك التعاون تزويد عمّال المناجم المحليين برأس مال إضافي لتمويل التوسع، مما سيدعم النمو في الإنتاج حتى عام 2026 وما بعده.

ويؤدي مصرف التنمية الصيني دورًا مهمًا في تمويل تطوير مشروعات تعدين الألمنيوم وخام الحديد في كازاخستان، كما إن البلد طريق عبور مهمّ لمبادرة One Belt One Road الصينية التي من المتوقع أن تعزّز الروابط التجارية بين الصين ودول آسيا الوسطى.

أمّا علاقتها مع حليفها التاريخي روسيا فهو نقمة ونعمة، إذ تواجه كازاخستان انطلاقًا من إرث الاتحاد السوفيتي تحدّيات سببها دمج صناعة التعدين إلى حدّ كبير في سلسلة إنتاج واحدة مع روسيا وأوكرانيا.

وقد صُمِّمَت البنية التحتية الحالية لتوجيه الكثير من إنتاج التعدين إلى هذه البلدان، وهذا ما يجعل أطراف البلاد البعيدة عن روسيا وأوكرانيا تفتقر إلى البنية التحتية للنقل، وفي الحقيقة أن الصناعة الصينية تقع أساسًا في الجزء الشرقي من البلاد، وهو ما يؤدي إلى زيادة تكاليف النقل إلى الصين بشكل كبير، ومع ذلك، لا تزال الصين سوقًا مهمة ومتزايدة لمنتجي التعدين في كازاخستان.

آفاق مستقبلية

تؤكد التقارير العديدة والحديثة أن الإمكانات الكبيرة لقطاع التعدين ستكون حاسمة لجلب المزيد من الاستثمار للبلاد، فصناعة التعدين والمعادن في كازاخستان تتميز بتكاليف منخفضة وفرص نمو كبيرة، إذ يمكن للشركات في القطاع بناء ميزة تنافسية من خلال عوامل مهمة، مثل الوصول إلى رواسب موارد عالية الجودة، وتكاليف الطاقة والعمالة المعتدلة، والمتطلبات البيئية الأقلّ صرامة.

ولا ننسى أن كازاخستان تحتلّ مرتبة عالية نسبيًا في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018 (36 من أصل 190 دولة)، و من أحسن الأدلة على ذلك وجود شركات كبيرة أجنبية في البلد تشمل شركات Glencore و Rio Tinto و Iluka Resources و Central Asia Metals Plc و Areva Sa و ArcelorMittal و Russian Copper Company و United Company Rusal

ويبقى المستوى المنخفض لمعالجة المعادن داخل كازاخستان عاملًا يحدّ من قدرة البلاد على إنشاء سلسلة قيمة، ويؤدي إلى تفاقم الاعتماد على الأسواق العالمية المتقلبة، فبعض الخامات المحلية أقلّ قدرة على المنافسة في السوق العالمية بسبب التركيزات المنخفضة التي تتطلب طرق استخراج معقدة، ومن ثم تزيد من تكاليف الإنتاج.

فهل ستكون كازاخستان من بين أكبر 30 قوة عالمية بحلول عام 2050، كما تريد لها حكومتها؟.. قد يكون الجواب بنعم، إذا نجحت البلاد في تثبيت الوضع الأمني، خاصة بعد المظاهرات الجارية، والعمل على تسهيل الظروف الاستثمارية بالصناعات التحويلية في البلد.

( المصدر /الطاقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى