ابراهيم باشا و الرفض التركي

أسنَدَ الخديوي إسماعيل إلى الفرنسي كوردييه مهمة نحت تمثال لأبيه إبراهيم باشا وذلك في عام ١٨٦٨م ، ثم كلف أيضًا لجنة فرنسية للإشراف على عمل التمثال برئاسة الكونت نيودركيك Cont Niewderkeke ، فرأت اللجنة إضافة فرنسي آخر هو جاكمار .
وإذا كان التمثال قد صُنِعَ بالفعل في فرنسا ، إلا أن الوثائق تشير إلى أن القائمين على عمل التمثال قد أتوا بالفعل إلى مصر لمقابلة الخديوي ومعاينة الأماكن التي ستوضع بها التماثيل التي كُلِفوا بعملها ، ومنها هذا التمثال ففي وثيقة مؤرخة بـ ٢٣ شعبان ١٢٨٢هـ ، جاء ذِكر للأعمال المُقترح عملها في مصر والإسكندرية والسويس مُقدمة من نوبار باشا ، وجاء فيها ذِكر ” تمثال والد الجناب العالي وجده المقترح إقامتهما ” وكان رأي الجناب العالي في ذلك هو الإنتظار حتى يحضر صاحب المصنع الذي أخذ على عاتقه عملهما وعرض النماذج .
في ٥ صفر ١٢٨٦هـ ، صدر أمر من الخديوي إسماعيل بتحويل مبلغ ستة آلاف جنيه إلى أحد البيوت المالية في باريس باسم الكونت نيودركيك حتى يتمكن من صرف المبلغ إلى الفنان الذي سيقوم بصنع التمثال وهو المسيو كوردييه .
تم الإنتهاء من صنع التمثال في عام ١٨٧٢م .
نُصِب التمثال في ميدان العتبة الخضراء في أول الأمر ، وبعد عدة سنوات وتحديدًا في عام ١٨٨٢م ، قام الثوار العرابيون بإنزاله من فوق قاعدته بإعتبار صاحبه أحد أفراد الأسرة العلوية الحاكمة ، وبعد أن هدأت الأمور أُعيد إقامة التمثال في ميدان الأوبرا .
أما عن الأزمة التي أثارها التمثال فهي أزمة سياسية كبرى ومباحثات بين مصر وتركيا بسبب تمثال إبراهيم باشا الكائن بميدان الأوبرا ،
حيث تعود أحداث الواقعة إلى عام ١٨٧٢م، عندما تم الانتهاء من صنع التمثال وأختير ميدان العتبة الخضراء موقعًا له .
فقد حدث أن صنع كوردييه لوحتين لوضعهما على قاعدة التمثال الرخامية ، إحداهما تمثل انتصار الجيش المصري على العثمانيين في معركة نصيبين ، والثانية إنتصاره عليهم أيضًا في معركة قونية،
وكانت اللوحتان على وشك أن توضعا على جانب قاعدة التمثال ، ولكن السلطات التركية تدخلت ورفضت اللوحتين لأنهما تمثلان هزيمتها أمام الجيش المصري ، وأخذ كوردييه اللوحتين وسافر إلى فرنسا وعرضهما في معرض باريس عام ١٩٠٠م ، وبعد الإنتهاء من المعرض أخذهما إلى بيته وحفظهما في ستوديو صغير حيث لم يُعلَم مصيرهما بعد ذلك .
وحينما عزمت الحكومة المصرية على الإحتفال بمرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا عام ١٩٤٨م، أرادت أن تضع اللوحتان في مكانهما ، فأجرت إتصالات بالحكومة الفرنسية ، وجرى البحث عن اللوحتين عند حفيد كوردييه وفي متاحف باريس الكبرى فلم يُعثر لهما على أثر ، ولكن تم العثور على صورتين فوتوغرافيتين لهما ، فأخذهما المثالان المصريان أحمد عثمان ومنصور فرج وصنعا لوحتان تشبهان لوحتي كوردييه وهما الموضوعتان اليوم على جانبي قاعدة التمثال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى