أسعار النفط في ظل الحرب.. السعودية والجزائر تتصدران المستفيدين (تقرير)
مع القفزة التي سجلتها أسعار النفط ووصولها إلى مستوى 130 دولارًا للبرميل، يأتي الخبر إيجابيًا لخزائن الدول العربية المصدرة للخام، خصوصًا تلك التي تعتمد على الذهب الأسود في إيراداتها.
وعلى الطرف الآخر، تعصف هذه المستويات غير المسبوقة في عدة سنوات، بمستهدفات موازنات دول أخرى تُعَد مستوردًا صافيًا للخام، إذ لم تبنِ أي دولة عربية موازنتها على سعر 100 دولار للبرميل.
كانت أسعار النفط قد شهدت ارتفاعًا منذ بداية العام الماضي مدعومة بعودة النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة انتشار اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وتعافي الطلب على وسائل النقل، قبل أن تتلقى دعمًا قويًا هذا العام؛ بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
الرابحون من ارتفاع أسعار النفط
-
السعودية
تُعَد المملكة العربيةالسعودية ، أبرز الدول العربية المستفيدة من القفزة الكبيرة في سعر برميل النفط؛ فهي أكبر مصدّر للنفط عالميًا، وأكبر عضو منتج للخام في منظمة أوبك، والثاني بعد الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
فبحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة في بيانات رسمية، استفادت المملكة من ارتفاع أسعار النفط خلال العام الماضي؛ حيث قفزت إيراداتها من بيع النفط بنسبة 72.1% لتسجل 205.97 مليار دولار خلال 2021، مقابل 119.3 مليار دولار في 2020.
وبنهاية الربع الرابع من العام الماضي، واصلت قيمة صادرات النفط السعودية ارتفاعها بشكل كبير لتصل إلى 64.15 مليار دولار خلال المدة من أكتوبر/تشرين الأول حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، مقابل 32.39 مليار دولار خلال الربع نفسه من 2020، نقلًا عن بيانات للهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وتتحفظ السعودية بشأن ذكر سعر برميل النفط الذي توقعته عند بناء موازنتها للعام المالي الجاري، ولكنها نقلت في بيان الموازنة توقعات بيوت الخبرة والمؤسسات المالية بأن تتراوح معدلات أسعار النفط بين 65 و90 دولارًا للبرميل خلال 2022، وهو السعر الذي تخطته الأسواق حاليًا بشكل كبير.
وحال استمرار ارتفاع الأسعار وبلوغها خانة الأرقام الـ3 وتحليقها فوق مستوى الـ100 دولار للبرميل، ستتخطى إيرادات المملكة ما توقعته في موازنة العام الجاري، خصوصًا مع عدم استبعاد بعض التقديرات -وإن كانت ضعيفة- بأن تصل الأسعار لمستويات الـ200 دولار للبرميل حال استمرار الأزمة الحالية.
وكان بنك بولتون الاستثماري قد توقع أن تستمر قيمة صادرات النفط السعودي في الصعود لتصل إلى 255 مليار دولار خلال 2022.
- الكويت
مع استحواذ الإيرادات النفطية على نسبة 89% من إجمالي الإيرادات المتوقعة لدولة الكويت للعام المالي الجديد -الذي سيبدأ في أبريل/نيسان المقبل وينتهي في مارس/آذار من العام التالي- تأتي البلاد ضمن الدول الرابحة من القفزة التي تسجلها أسعار النفط.
ومع استمرار ارتفاع أسعار النفط، ستتخطى إيرادات الكويت ما توقعته في موازنتي عاميها الماليين الجاري والمقبل؛ إذ تخطى سعر البرميل في السوق السعر الذي بُنيت عليه الموازنتان بشكل كبير، وهو ما يسهم في تقليص عجز الموازنة.
وتخطى سعر برميل النفط الحالي في الأسواق ما توقعته الموازنة الجديدة للكويت بمقدار الضعف تقريبًا؛ إذ أسست الكويت موازنتها للعام المالي المقبل، التي سيبدأ العمل بها في أبريل/نيسان المقبل على افتراض سعر 65 دولارًا للبرميل، وذلك مقابل 45 دولارًا للبرميل في موازنة العام الجاري التي ستنتهي في مارس/آذار.
وتتوقع الكويت أن ترتفع إيراداتها النفطية خلال العام المالي المقبل إلى 16.74 مليار دينار (55.1 مليار دولار)، مقابل 9.12 مليار دينار (30.01 مليار دولار) إيرادات متوقعة بنهاية عامها المالي الجاري.
وعلى افتراض سعر 65 دولارًا لبرميل النفط، توقعت الكويت تراجع عجز موازنتها، خلال العام المالي المقبل، إلى 3.13 مليار دينار (10.3 مليار دولار)، مقابل 12.12 مليار دينار (39.89 مليار دولار) بنهاية عامها المالي الجاري.
-
سلطنة عمان
تأتي سلطنة عمان كذلك من الدول المستفيدة بشكل كبير من صعود سعر النفط، وهو ما يلقي بظلاله إيجابيًا على عجز الموازنة الذي تعانيه؛ إذ تستحوذ إيرادات النفط والغاز على نسبة تقترب من الـ70% من إجمالي إيراداتها المتوقع تحقيقها خلال العام الجاري.
وقد بنت سلطنة عمان موازنتها للعام الجاري على افتراض متوسط سعر للبرميل عند 50 دولارًا، وهو السعر الذي تخطته السوق في الوقت الراهن ليلامس حاجز الـ130 دولارًا للبرميل.
وبناءً على سعر 50 دولارًا، توقعت سلطنة عمان أن تحقق إيرادات من بيع النفط بقيمة 4.49 مليار ريال عماني (11.66 مليار دولار)، بالإضافة إلى 2.75 مليار ريال عماني (7.14 مليار دولار) من بيع الغاز الطبيعي بنهاية 2022، ولكن مع تخطي الأسعار افتراضات الموازنة سوف ترتفع إيرادات البلاد من النفط والغاز كثيرًا عن تلك التوقعات.
وعلى سبيل المثال، مع متوسط سعر 81.58 دولارًا لبرميل النفط خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قفزت إيرادات عمان من النفط بنسبة 94.4%، على أساس سنوي، لتسجل 553.9 مليون ريال عماني (1.43 مليار دولار)، مقابل 284.9 مليون ريال عماني (739.99 مليون دولار) خلال الشهر نفسه من العام الماضي.
وكانت موازنة عمان قد استفادت خلال العام الماضي -بشكل كبير- من قفزات أسعار النفط المسجلة خلال عام 2021.
وتشير النتائج الأولية للعام الماضي -بحسب بيانات وزارة المالية في البلاد- إلى أن إيرادات النفط العمانية ارتفعت بنسبة 56% لتسجل 5.55 مليار ريال عماني (14.41 مليار دولار) بنهاية 2021، مقارنة بتوقعات الموازنة عند إعدادها والتي قدرت بنحو 3.22 مليار ريال عماني (8.36 مليار دولار).
كما توضح النتائج الأولية أن إيرادات بيع الغاز العماني خلال العام الماضي ارتفعت بنسبة 40% لتسجل 2.62 مليار ريال عماني (6.8 مليار دولار)، مقارنة بتوقعات الموازنة عند إعدادها والتي قدرت بنحو 1.87 مليار ريال عماني (4.85 مليار دولار).
وأرجعت سلطنة عمان ارتفاع إيرادات النفط والغاز، خلال العام الماضي، مقارنة بما توقعته عند إعداد الموازنة، إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية عن المعتمد في موازنة 2021.
-
قطر
تواصل أسعار الغاز الطبيعي بدورها الاشتعال في الأسواق بالتوازي مع ارتفاع سعر برميل النفط، الذي يعد أحد المؤثرات في سعر الغاز، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا بشكل كبير على إيرادات دولة ، التي تعد أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم.
وتخطت أسعار النفط الحالية ما توقعته موازنة قطر لعام 2022، والتي تفترض سعر 55 دولارًا للبرميل، وهو السعر الذي تستند إليه في بناء موازنتها الحالية.
وبناءً على ذلك، توقعت قطر أن تحقق إيرادات نفطية تصل إلى 154 مليار ريال (42.29 مليار دولار) بنهاية العام الجاري، ولكن مع اشتعال الأسعار ستتخطى إيرادات البلاد ما توقعته عند إعداد الموازنة.
يشار إلى أن الغاز الطبيعي هو مصدر الإيرادات الرئيس لدولة قطر؛ فهي صاحبة أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي على المستوى العالمي بعد روسيا وإيران، وتعد كذلك المورد الرئيس للغاز المسال في العالم.
-
العراق
مع ارتفاع أسعار النفط، نجح العراق في أن يحقق أعلى إيرادات نفطية منذ عام 2014، وذلك خلال شهر فبراير/شباط الماضي، لتصل إلى 8.54 مليار دولار، مقابل 8.32 مليار دولار خلال يناير/كانون الثاني 2022.
ومع مواصلة أسعار الخام قفزاتها، يُعَد العراق من أبرز الرابحين؛ ما يساعده على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وتوقع العراق تحقيق إيرادات نفطية بنهاية شهر مارس/آذار الجاري، أعلى مما تحقق في فبراير/شباط، وهو ما أرجعته شركة تسويق النفط العراقية “سومو” إلى معطيات السوق الحالية.
وبحسب “سومو”، ارتفعت صادرات العراق من النفط إلى 3.3 مليون برميل يوميًا خلال شهر فبراير/شباط الماضي وهو الأعلى منذ عامين.
وفي غضون 13 شهرًا؛ أي خلال المدة من يناير/كانون الثاني 2021 حتى يناير/كانون الثاني 2022، نجح العراق في تحقيق إيرادات نفطية وصلت إلى 83.97 مليار دولار، وفقًا لبيانات وزارة النفط العراقية.
ولم يجر اعتماد الموازنة العراقية لعام 2022 حتى الآن، نتيجة الخلافات السياسية وانتظار تشكيل الحكومة الجديدة لاعتماد من مجلس النواب.
وكانت وكالة الأنباء العراقية قد نقلت أن العراق رفع توقعاته لسعر برميل النفط خلال العام المقبل عند 60 دولارًا في موازنة العام الجاري، وذلك مقابل 40 دولارًا عند إعداد موازنة عام 2021.
ومع قفزات أسعار النفط، توقع المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، عدم لجوء العراق إلى الاقتراض خلال العام الجاري.
وأرجع مستشار رئيس الوزراء توقعه إلى احتمال تحقيق موازنة البلاد فوائض نقدية قدرها 20 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط.
وقال: “على الرغم من حصول اقتراض جزئي بنسبة 15% من إجمالي العجز المخطط بموازنة العام الماضي؛ فإن المؤشرات المتوقعة للعام الجاري تشير إلى متوسط سعر لبرميل النفط لا يقل عن 100 دولار للبرميل، وذلك مقارنة بإيرادات موازنة 2021 التي قدر متوسط إيراداتها النفطية السنوية بأقل من 70 دولارًا للبرميل”.
-
الجزائر
من المقرر أن يكون لخزنة الجزائر -الدولة الرائدة في إنتاج الغاز الطبيعي- نصيب مميز كذلك من الاستفادة بقفزات أسعار النفط التي شهدتها السوق مؤخرًا، والتي تأتي بعد عام حققت فيه البلاد إيرادات ضخمة من صعود الخام عام 2021.
ونجحت الشركة الحكومية (سوناطراك)، في تحقيق إيرادات من صادرات المحروقات فاقت الـ34.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي، مقابل 20 مليار دولار في 2020.
وتعتزم الشركة الجزائرية استثمار نحو 8 مليارات دولار خلال العام الجاري، دعمًا من صعود سعر برميل النفط، وذلك في إطار خطة تستهدف استثمار نحو 40 مليار دولار بحلول 2026.
وترى الشركة أن استقرار أسعار النفط في حدود 70 دولارًا للبرميل سيوفر لها التمويلات اللازمة لدعم خطة الاستثمارات المستهدفة، وفقًا لتصريح الرئيس المدير العام لسوناطراك، توفيق حكار.
وبَنت الجزائر موازنة العام الجاري على سعر سوقي للنفط يبلغ 50 دولارًا للبرميل، وبناء على ذلك السعر تتوقع البلاد أن تبلغ قيمة صادرات المحروقات نحو 27.9 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وهو الرقم الذي من المتوقع أن تتخطاه البلاد مع استمرار ارتفاع سعر النفط بفارق كبير عن الذي بُنيت عليه الموازنة.
الخاسرون من ارتفاع أسعار النفط
في المقابل، يمثل ارتفاع سعر النفط ضغوطًا قوية على العديد من الدول العربية التي تُعَد مستوردًا صافيًا للوقود الأحفوري، وهو ما يلقي بأعبائه على المواطن، ويزيد من عجز موازنات تلك الدول.
وتأتي مصر والأردن وتونس والمغرب والسودان وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن من أبرز الدول المعرضة لتأثيرات ارتفاع أسعار النفط السلبية، وهو ما قد يعصف بمستهدفات موازناتها ويضغط على بند المصروفات بشكل كبير، فضلًا عن التداعيات على المواطن، خصوصًا بالنسبة للدول التي تمرر ارتفاع الأسعار على المواطن بعد تقليل دعم الوقود أو إلغائه.
وعلى سبيل المثال، أسست مصر موازنة العام المالي الجاري، الذي بدأ في يوليو/تموز 2021 وينتهي في يونيو/حزيران 2022، على افتراض متوسط سعر برميل النفط عند 60 دولارًا للبرميل.
ومع كونها مستوردًا للنفط؛ فإن تخطي سعر النفط للرقم المستندة إليه موازنة مصر يمثل تهديدًا لزيادة عجز الموازنة، بالإضافة إلى إلقاء أعباء كبيرة على المواطن العادي.
وتشير موازنة مصر للعام المالي الجاري إلى أنه في حالة ارتفاع سعر النفط العالمي ليفوق الافتراضيات المتوقعة بنحو دولار للبرميل؛ سيؤدي ذلك إلى زيادة العجز الكلي المستهدف خلال العام.
وتُعَد مصر من الدول التي تطبق آلية تسعير تلقائي للمواد النفطية في السوق المحلية كل 3 أشهر، بناءً على حركة سعر النفط عالميًا وسعر صرف الجنيه أمام الدولار، لكن بنسبة لا تتخطى 10% حدًا أقصى سواء في الزيادة أو الخفض.
ودفع ارتفاع أسعار النفط المستمر منذ العام الماضي إلى أن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات النفطية في مصر حركت سعر البنزين محليًا بداية 2022 للمرة الرابعة على التوالي بقيمة 25 قرشًا لكل مرة، مع توقعات بزيادة جديدة خلال الاجتماع المقبل للجنة بعد القفزات التي شهدها الخام مؤخرًا.
وكان وزير البترول المصري، طارق الملا، قد قال، في تصريحات سابقة له، إن ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية ليس في صالح مصر، إذ تعد البلاد مستوردًا صافيًا للزيت الخام والمشتقات النفطية.
وأعرب الوزير المصري عن أمله بعدم استمرار ارتفاع سعر البرميل في السوق العالمية لمدة طويلة؛ حتى لا تؤثر سلبيًا في منظومة المواد النفطية داخل البلاد.
في المقابل، اعتبر طارق الملا أن ارتفاع أسعار الغاز عالميًا يأتي في صالح مصر باعتبار أنها دولة مصدّرة للغاز المسال، مؤكدًا أن بلاده تعمل على زيادة صادراتها من هذا الوقود الأحفوري للعمل على تقليل التأثير السلبي من ارتفاع سعر برميل النفط
(الطاقة)